خلال موسم الشتاء، تتعرض «ضفادع الخشب» في أميركا الشمالية، الـ «رانا سيلفاتيكا»، لخطر التجمد مرات عديدة بسبب البرد والصقيع. ولكنها تنجو باستبدال معظم الماء في جسمها بمادة الغلوكوز التي تستعين بها مما حفظته أكبادها. وهذا ما يساعد على وقف تجمد خلاياها لدى هبوط معدلات الحرارة.
ما تفعله هذه الضفادع من دون تفكير، يسعى العلماء ـ بكثير من الجهد الذهني والفكري المضني ـ إلى استنساخ تجربته. الهدف ليس تجميد الناس وإعادة إحيائها، فهذه الفكرة تبقى مجرد خيال، وربما تدخل في إطار الغش البعيد عن أخلاقيات العمل البحثي، ولكن الهدف الحفاظ على الأعضاء لمدة طويلة لإعادة زرعها.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن «أقل من 10 في المئة فقط من حاجة البشرية للأعضاء القابلة للزرع قد تم تلبيتها». ربما يعود السبب إلى انخفاض معدل حوادث السير، وفعالية الإجراءات داخل غرف العناية الفائقة في المستشفيات، وربما لأن العضو الذي يتم الحصول عليه يذهب هباءً إذا لم يتوفر الشخص الذي يحتاج إليه فوراً. فالكبد الموهوب مثلاً، يخدم 12 ساعة إذا كان خاضعاً للتبريد، وليس للتجميد. أما القلب الذي يتم وهبه، فلا يحتمل هذه المدة. ولكن إذا أمكن تجميد الأعضاء وإعادة استخدامها من دون أن يصيبها أي تلف، فستتغير أمور كثيرة. سيتم إنشاء بنوك للأعضاء لهذه الغاية، ولن تتلف أي منها. أما عمليات الزرع، فستصبح كمن يختار عضواً من «كاتالوغ».
وتكمن المشكلة في أن الماء يتمدد حين يتجمد. وإذا كان في خلايا حية، فإنه يتسبب بإحداث أنواع عديدة من الأضرار لها خلال عملية التجمد. ولكن «تحالفاً» من الخبراء، من جراحين وعلماء في الكيمياء الحيوية وحتى مهندسين وخبراء تغذية، يحاولون تجاوز هذه المعضلة. وبعد سنوات من الجهد، يعتقد كثيرون منهم أنهم أصبحوا قريبين من النجاح، وأن الحفاظ على الأعضاء ستصبح عما قريب تكنولوجيا قيّمة.
بعض الأنسجة البشرية بالإمكان الاحتفاظ بها عن طريق التجميد cryopreservation. وهذا الأمر نجح مع الحيوانات المنوية وخلايا الدم الحمراء منذ ستة عقود، ومع الأجنّة في مرحلة مبكرة منذ ثلاثة عقود. ولكن هذه الحالات تعد استثنائية. أما تجميد الأعضاء الأكبر حجماً فقد اتضح أنها أكثر تعقيداً.
ويستعين محمد تونر، من كلية الطب في جامعة هارفارد، بنظرية ضفادع الخشب. فهذه الكائنات، تحول داخلها إلى «زجاج» وليس إلى «جليد»، لتخطي الشتاء. و «زجاج» هذه الضفادع، هو في الحقيقة، «غلوكوز مكثّف». أما تونر فيستخدم نوعاً آخر من السكر، وهو «التريهالوز»، لعملية التجميد. ولكن سيّئته الوحيدة، أنه ليس جاهزاً كثيراً للامتصاص من قبل الخلية. ولكن الباحث تمكن من تجاوز ذلك من خلال تزيين «التريهالوز» بجزئيات من مادة الـ «أسيتيل». وفي حزيران في العام 2015، تمكن مع مجموعة من زملائه من إعادة إحياء خلايا للفئران كان تم تجميدها بهذه الطريقة.
ولكن عملية إعادة الإحياء تحمل مخاطرها أيضاً. فهي يجب أن تتم سريعاً، وإلا بالإمكان تكون الجليد حيث لا يوجد سوى الزجاج.
ويسعى باحثون آخرون، إلى تجنب عملية التجميد العميق كلها، من خلال تغليف الأعضاء بـ «كوكتيل» من المواد الحافظة، الأوكسيجين، مضادات الأكسدة وغيرها.
وهناك أيضاً أفكار أخرى للحفاظ على الأعضاء بالتبريد، وهي كثيرة جداً لدرجة أنها لا تحتاج سوى إلى تنسيق. وربما هذا الهدف من وراء «تحالف الحفاظ على الأعضاء» organ preservation alliance، وهي منظمة انسانية أميركية تأسست في العام 2014، وحققت بعض النجاح. اما مؤسسة «اكس برايز» الخيرية، فقد عرضت جائزة على أي فريق بإمكانه زرع أعضاء لحيوانات، بعد تجميدها لمدة أسبوع. وهناك شركات طبية دخلت أيضاً في السباق. اما الفائز الأكبر، فهو «بنك الأعضاء»، الذي لا يزال فارغاً.. حتى الآن.
(عن «الإيكونوميست»)
Assafir: وهب الأعضاء.. هل سنختار يوماً من «الكاتالوغ»؟
Monday, February 8, 2016