أُطلِقت أمس الحملة الوطنية لوهب الأعضاء وزرعها، خلال مؤتمر صحافي عُقد برعاية وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، في قاعة المحاضرات في مبنى إدارة الجامعة اللبنانية ـ المتحف.
حضر المؤتمر الدكتور جوزف الحلو ممثلاً أبو فاعور، وممثلون عن كل من البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وشيخ عقل الطائفة الدرزية نعيم حسن، وبطريرك الأرمن الأرثوذكس ومطران بيروت للروم الأرثوذكس، و ومؤسّسو اللجنة الوطنية لوهب الأعضاء والأنسجة البشرية وزرعها، وأعضاء اللجنة، ووزير الصحة السابق الدكتور محمد جواد خليفة، والدكتور الياس وراق والدكتور جودي بحوث، والوزيران السابقان ناظم الخوري والدكتور أسعد رزق، وسفيرة إسبانيا ميلاغروس هيرناندو، وحشد من أعضاء المنظّمات غير الحكومية المعنيّة بوهب الأعضاء.
بعد كلمة لعريفة الحفل الإعلامية بولا يعقوبيان، شدّدت فيها على أهمية حملة وهب الأعضاء وزرعها، أوضح مدير عام شركة «M C SAATCHI» آلان هوشر أن الحملة الإعلانية التي يشارك فيها مشاهير يشجّعون على الإقدام على وهب الأعضاء وزرعا، تهدف إلى كسر جدار الصمت والخوف والجهل، والقول: «نعم لوهب الأعضاء».
وأوضح أنّ الحملة ستكون على مرحلتين، بحيث ترتكز الحملة الأولى على شخصيات عامة ومشاهير يؤثرون في المجتمع بهدف توعية الناس على أهمية هذا العمل الإنساني والبطولي الذي ينقذ حياة كثيرين، أما المرحلة الثانية فترتكز على شهادات حيّة من أشخاص تلقّوا فعلاً أعضاء تبرّع بها آخرون.
ثمّ تحدّث الدكتور عبد المولى شهاب الدين ممثلاً مدير عام التعليم العالي أحمد الجمال فأكد أن ثمة عملاً مشتركاً بين وزارتَيْ التربية والصحة بالتعاون مع كلّيات الطب والصحة في لبنان واللجنة الوطنية لوهب الأعضاء من أجل تعميم فكرة إدخال وهب الأعضاء ضمن البرامج التعليمية في اختصاصات الطب العام والتمريض كمرحلة أولى.
وأشار إلى أنه خلال مرحلة تحضيرية، ستوضع برامج تدريب على وهب الأعضاء، ثم تدريب أساتذة من كلّيات الطب والتمريض بإشراف اللجنة الوطنية. وتقيَّم هذه المرحلة بهدف إدخال البرامج إلزامياً، وبعدئذٍ يصبح وهب الأعضاء أحد عناصر امتحانات الكولوكيوم بنهاية العام الدراسي 2015 ـ 2016. وتعهّد القيام بكل الإجراءات الإدارية والقانونية لتطبيق ذلك.
أمّا نائب رئيس اللجنة الوطنية الدكتور أنطوان اسطفان فأشار إلى أن البرنامج اللبناني استند إلى البرنامج الإسباني الأكثر نجاحاً عالمياً، وهو يعتمد على شبكة منسّقين في المستشفيات اللبنانية كافة، تكون حلقة وصل بين المستشفيات وبين اللجنة الوطنية من أجل متابعة كلّ حالات الوفيات والوهب بفعالية وبمنهجية موحدة. إضافة إلى تثقيف متواصل وتدريب احترافي في هذا المجال لكل العاملين في القطاع الصحي.
وأضاف: «إن هذا البرنامج العلمي والتنسيقي هو الأول على المستوى الوطني في لبنان، في قضية حساسة أخذت سنوات عدّة لتتكرس وتصبح في صلب المجتمع بكل أطيافه». لافتاً إلى أنّ اللجنة تعمل بمساعدة من الدولة الفرنسية على استحداث برنامج إلكتروني لتسهيل عمل المنسّقين والمستشفيات في برمجة موحدة تقنياً وبمستوى عالٍ، كما لمساعدة اللجنة الوطنية على استحداث السِجلّ الوطنيّ الأول للوهب والزرع في لبنان.
ورأى اسطفان أن مستقبل هذا البرنامج الوطني يعتمد على جهود الجميع، إذ إن اللجنة الوطنية بادرت وأسّست وتعمل كل يوم كي تنجح في لبنان قضية وهب الأعضاء لخدمة كل إنسان. مؤكداً أنّ وهب الأعضاء يعتمد على حسّ التضامن وتجاوز الاختلاف المذهبي والحزبي والمصالح الخاصة، وعلى التعامل بمسؤولية مع هذه القضية الإنسانية التي وضعت من أجل خدمة الجميع.
بعد ذلك، ألقى الدكتور الحلو كلمة أبو فاعور، فأشار إلى حادثة يعرفها عن مواطن أصيب بِابنه البالغ من العمر سبعة عشر سنة نتيجة حادث سيارة. وفي مستشفى «أوتيل ديو» وجد الوالد، والعائلة في حالة من الحزن العميق لفقدان ولدهم، يوقع أوراقاً اعتقدها البعض معاملة دخول الطوارئ أو أموراً عامة. وكانت الدهشة أنه كان يوقع الموافقة على وهب الأعضاء الممكن وهبها من جسد ولده. فاستكبر الحضور هذا الموقف. «جميل أن يكون الإنسان في لحظات الشدة عظيماً وهذا المواطن كان عظيماً». وتمر الأيام ويخبر عن لحظة استقباله هو وعائلته بعض ممن استفادوا من أعضاء جسد ولدهم. فمنهم من أبصر النور بعدما افتقده لسنوات. ويصف الشعور الذي انتابه في هذه اللحظات وهو مزيج من الحزن والفرح وخليط من الشعور بروعة العطاء وجمال الحياة وشعور بالقربى من شخص لم يصادف أن التقاه يوماً أو عرفه.
وأكد الحلو أنّ قضية زرع الأعضاء لم تعد ـ ومنذ سنوات ـ مشكلة في لبنان. «ففي بلدنا تتوفر الإمكانيات الفنية أكانت متعلقة بالجسم الطبي وفريق المساعدين، وأصبح لدينا أطباء كثر مشهود لهم بالخبرة والمعرفة وامتلاك فنون الزرع، أو متعلقة بالمراكز الاستشفائية المتخصصة والتي تمتلك كل الشروط الواجب توفرها للقيام بعمليات نقل الأعضاء وتخزينها ثمّ زرعها. كما لدينا لجنة وطنية نشيطة تعمل على تعزيز ثقافة زرع الأعضاء بين المواطنين».
وأضاف: «إنّ الوزارة تقف مع كل تحرّك يهدف إلى نشر ثقافة زرع الأعضاء ويساهم في تطوير عمليات وهب الأعضاء وبناء البنوك المتخصّصة وحماية المواطنين من جعل وهب الأعضاء تجارة سوداء مخالفة للقوانين المعتمدة».
وقال: «من الطبيعي أن نتوجه إلى دولتنا لكي توفّر كل الدعم المادي والمعنوي لكل من يتعاطى مع وهب الأعضاء، لا سيما اللجنة الوطنية»، لافتاً إلى أنّ وزارة الصحة تؤيد جعل الشروط المطلوبة لزرع الأعضاء جزءاً من عمليات اعتماد المستشفيات وتصنيفها.
وختم الحلو: «إنّ وهب الأعضاء يتطلب تضافر كل الجهود من قطاعات عامة وخاصة وأهلية وجمعيات اجتماعية وفنية ودينية. إنها مقياس حقيقي لمدى تطور المجتمع ولنوعية النظرة للإنسان وللحياة واستمرارها ونوعيتها».
نقاش وآراء دينية
ثم فُتح باب النقاش، فأيّد الشيخ بلال منلا في مداخلة وهب الأعضاء، خصوصاً أن العطاء من أجمل متع الحياة. وقال إن كل المجامع الفقهية في العالمين العربي والإسلامي أجمعت على تأييد وهب الأعضاء إنما بشروط دقيقة تحمي حرمة الإنسان. داعياً إلى أن تؤخذ بالاعتبار ضوابط شرعية حتى لا يتحول الإنسان إلى سلعة للبيع».
وقال الأب إدغار هيبي: «إن وهب الأعضاء يتطلب مسؤولية أخلاقية ووجدانية وروحية ووطنية»، وأعلن أن «الجامعة اليسوعية» ستنظّم قريباً مؤتمراً لتوضيح المقاربات الدينية المختلفة من مسألة وهب الأعضاء، وكيفية تقديم الدين المساعدة المطلوبة لعملية الوهب منذ حصول الوفاة إلى حين الوهب والنقل وإتمام العملية.
ختاماً، عُرضت للحضور اللقطات الإعلانية الخاصة بالحملة الوطنية والتي يشجّع فيها مشاهير على وهب الأعضاء والقول: «نعم لوهب الأعضاء».