لا يحقّ للطبيب إنهاء حياة المريض بسبب الشفقة، حتى لو طلب المريض ذلك. يحظر على الطبيب أن يصف أي دواء، أو أن يستعمل أي علاج تجريبي، إلا ضمن شروط محدّدة. تمنع المتاجرة بالأعضاء البشريّة منعاً باتاً. يجوز إجراء عملية التلقيح الاصطناعي بواسطة تقنيات الخصوبة المساعدة للزوجين، وبموافقتهما الخطيّة، مع مراعاة القوانين المرعية الإجراء لدى المحاكم الشرعية المذهبيّة والروحيّة والمدنيّة.
تشكّل تلك المعطيات أبرز ما نصّ عليه «قانون الآداب الطبيّة» المعدّل، التي أنجزت «لجنة الإدارة والعدل» في مجلس النواب دراسة تعديلاته في الثلاثين من الشهر الفائت، ومن المنتظر أن يحال إما إلى اللجان المشتركة أو إلى الهيئة العامة في مجلس النواب، بغية إقراره.
وحتّى اليوم، يعمل في لبنان بقانون الآداب الطبيّة (رقم 288) الصادر في 22 شباط 1994.
وقد وضعت نقابتا الأطباء في بيروت وطرابلس دراسةً تفصيليّة حول تعديلات هامة يجب إدخالها على القانون رقم 288. فرفع بعض النواب في المجلس النيابي اقتراح قانون إلى مجلس النواب، يستند إليها، ودرسته «لجنة الصحّة العامة والعمل والشؤون الاجتماعيّة»، ولجنة «الإدارة والعدل»، كما وزارة الصحّة العامة و«اللجنة الاستشاريّة الوطنيّة اللبنانيّة لأخلاقيات علوم الحياة والصحة» التابعة لمجلس الوزراء.
في ما يلي، مقاربة لأبرز التعديلات الواردة في مشروع القانون.
الموت الرحيم ممنوع في لبنان
يشير مصطلح «الموت الرحيم» إلى إنهاء الحياة بهدف التخفيف من الألم والمعاناة. ويعود أصل كلمة «euthanasia» باللغة اليونانيّة، إلى «eu» أو الجيّد، و«thanatos» أي الموت، ما يعني «الموت الجيّد». ويدور في العالم جدلٌ حول البعد الأخلاقي لممارسة الموت الرحيم. أما في لبنان فهو محظور قانوناً، ويستحسن عدم اللجوء إلى الوسائل التقنيّة والمبالغة في العلاج لإطالة أمد المحتضر، ويبقى من الضروري إعانة المحتضر حتى النهاية بشكل يحفظ له كرامته. ويشرح رئيس قسم المهن الطبيّة في وزارة الصحّة، وممثل الوزارة في اللجان النيابيّة لمناقشة تعديلات القانون، أنطوان رومانوس، أن «ممارسة الموت الرحيم ما زالت محظورة في لبنان، غير أن التعديل طال الصياغة النصيّة، لا الفعل». ويوضح رومانوس أن «التعديل في الصياغة جاء خشيّة إظهار الطبيب وكأنه قاتل، أو هو الذي يتسبّب بموت المريض».
وتؤكّد مصادر «لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب» أن جميع المشاركين في اللجان النيابيّة أجمعوا على الموافقة على حظر الموت الرحيم.
في المقابل، تشير مديرة «برنامج سليم الحص للأخلاقيات الطبيّة والمهنيّة» في «الجامعة الأميركيّة في بيروت» الدكتورة تاليا عراوي إلى أن «حظر الموت الرحيم في لبنان مرتبط بالطابع الديني للمجتمع، فيما يثير الموت الرحيم جدلاً عالمياً بين مؤيّديه ورافضيه».
وتطرح عراوي التساؤل حول مدى التقيّد بالقانون وعدم ممارسة الموت الرحيم في لبنان، بينما ينفي نقيب الأطباء في لبنان البروفسور شرف أبو شرف وجود أيّ ممارسة للموت الرحيم في المستشفيات في لبنان.
التجارب البشريّة والأبحاث السريريّة
يفتقد النصّ الحالي إلى مواد واضحة تحدّد أطر التجارب البشريّة والأبحاث السريريّة في لبنان، ما استوجب تعديل المادة الثلاثين بهدف حماية حقوق المشاركين في الأبحاث العلميّة، وكراماتهم. فينصّ التعديل الجديد على التالي: «يحظر على الطبيب أن يصف أي دواء أو أن يستعمل أي علاج تجريبي إلاّ ضمن الشروط الآتيّة: أن تكون قد أجريت الدراسات والأبحاث العلميّة الوافية والآمنة والمناسبة لكل حالة في مركز طبي جامعي، وأن تبدي لجنة الأخلاقيات في المركز موافقتها على وصف الدواء أو استعمال العلاج، وأن تُعلم نقابة الأطباء ووزارة الصحة مسبقاً بذلك». وبحسب رومانوس، سيتم فتح سجل خاص بالعلاجات التجريبيّة في وزارة الصحّة العامة. كما يشترط العلاج التجريبي أن «يعطي المريض موافقته الخطيّة مسبقاً، وأن تكون موافقة الأهل أو الممثّل الشرعي إلزاميّة خطياً عندما يتعلّق الأمر بأولاد قاصرين أو بأشخاص فاقدي الأهلية، وأن يكون العلاج مجانيّاً».
وفي ظلّ وجود نقص في المعطيات والمعلومات حول ما يجري في لبنان من أبحاث سريريّة وتجارب بشريّة، يؤكّد رومانوس أن «تلك المادة القانونيّة ستسمح بإصدار المراسيم التطبيقيّة في المستقبل لتنظيم معايير وأطر الأبحاث السريّرية والتجارب البشريّة في لبنان».
وتوضح عراوي أن «مهمّة اللجان الأخلاقيّة للأبحاث الطبيّة والتجارب السريّرية، ترتكز على توفير سلامة وحماية الأفراد المشاركين في الدراسات العلميّة، والنصوص العالميّة توجب احترام الذاتيّة والمنفعة والعدالة عند إجراء أبحاث سريّرية وتجارب بشريّة».
وتلفت عراوي إلى أن «الموافقة المستنيرة على المشاركة في بحث علمي ليست عبارة عن توقيع الفرد فحسب، بل هي آلية طويلة تتضمّن إطلاع المشارك على حيثيات الدراسة وعلى الأعراض الجانبيّة. أما الأولاد المشاركون فيجب الحصول على موافقتهم بعد أن تُشرح لهم خصائص الدراسة بلغة تتناسب ومستواهم العمري والتعليمي».
زرع الأعضاء ووهبها
حتى اليوم، يحدّد مرسومان اشتراعيان (رقم 109 تاريخ 16/9/ 1983 ورقم 1442 تاريخ 20/1/ 1984) المبادئ العامة لوهب الأعضاء وزرعها في لبنان، بينما تسمح التعديلات القانونيّة الجديدة بإصدار المراسيم التطبيقيّة التي تحدّد، بشكل دقيق، الشروط والمبادئ العلميّة لعمليّة وهب الأعضاء وزرعها، ووسائل المراقبة، وعمل اللجان المختصّة وصلاحياتها.
فتنصّ المادة الثلاثون على التالي: «تمنع المتاجرة بالأعضاء البشريّة منعاً باتاً، ويمكن إجراء استئصال عضو لإنسان بالغ حي متمتع بكامل قواه العقليّة في سبيل إجراء عمليّة زرع ذات هدف علاجي وذلك بعد موافقة الواهب الخطيّة الحرة والصريحة وبحضور شاهدين طبيبين إثنين، وبعد أن تشرح له نتائج هذا الاستئصال من الطبيب المعالج، ولا يجوز حثّ أي إنسان على التبرّع بعضو يؤثّر على حياته، ويمكن إجراء استئصال أعضاء من أجساد متوفين، شرط أن يكونوا قد أوصوا بذلك أو بعد الحصول على موافقة خطيّة من عائلاتهم من الدرجة الأولى، ولأهداف علاجيّة أو علميّة، وفقاً للأصول القانونيّة المرعيّة».
وتلفت عرواي إلى أن «النقاش العالمي حول زرع ووهب الأعضاء يطرح تساؤلات عدّة حول كيفية توزيع الأعضاء بين الأفراد، فهل يجوز وهب الفرد أكثر من عضو وحرمان الآخر؟ وهل من الممكن منح فرصة ثانيّة لشخص لم يتقبّل عمليّة زرع عضو في السابق؟ وكيف تتم حماية المتبرّع من الإكراه على التبرّع، ووضع حدّ للمتاجرة بالأعضاء في العالم؟ فعلى سبيل المثال، لجأ ولد في الصين إلى بيع كليته لشراء جهاز آي باد!».
التقنيات المساعدة للانجاب .. والغموض القانوني
بالنسبة إلى تقنيات الإنجاب المساعدة، يذكر النصّ الحالي أنه «لا يجوز إجراء عملية التلقيح الاصطناعي أو الحمل بواسطة تقنيات الخصوبة المساعدة إلا بين الزوجين وبموافقتهما الخطيّة». وينصّ التعديل الحديث في المادة الثلاثين - الفقرة ستة، على أنه «يجوز إجراء عمليّة التلقيح الاصطناعي أو الحمل بواسطة تقنيات الخصوبة المساعدة للزوجين وبموافقتهما الخطيّة مع مراعاة القوانين المرعيّة الإجراء لدى المحاكم الشرعيّة والمذهبيّة والروحيّة والمدنيّة».
وبينما يعتبر رومانوس أن «القانون يحترم الإرادة الحرّة للزوجين، ولا تتحكم المحاكم الشرعيّة والمدنيّة إلا بالمفاعيل اللاحقة كحقوق الإرث، والنسب، والبنوّة»، ترى عراوي أن «هذه المادة مبهمة، لا تفسّر كيفية مراعاة قوانين الأحكام الشرعيّة». ولم تقدّم مصادر «لجنة الإدارة والعدل» لـ«السفير» توضيحاً كافياً لذلك «الإبهام».
في المقابل، تتساءل عراوي عن «كيف يمكن حظر الإجهاض في لبنان، مقابل السماح بإتلاف الأجنة الناجمة عن التقنيات المساعدة للإنجاب؟ فمن المعروف أنه في عمليّة التخصيب الصناعي، يتمّ اختيار جنين واحد أو اثنين، وزرعه في رحم الأمّ، وتلف الأجنة الأخرى».
ويتوقف رومانوس عند اعتبار «ذلك التعديل خطوة أولى لضبط ما يتمّ إجراؤه في العيادات الخاصة والمستشفيات في لبنان من تقنيات مساعدة للإنجاب».
الأبحاث على الأجنة الميتة أو المبرّدة فقط
تثير مسألة الأبحاث على الجنين جدلاً أخلاقياً في معظم بلدان العالم، خاصة بعدما سمح رئيس الولايات المتحدة الأميركيّة باراك أوباما في العام 2009 بإجراء الأبحاث على الأجنة.
وفي لبنان، تفيد الفقرة الثامنة من المادة الثلاثين في التعديل الجديد بأنه «تحدد أهداف وشروط وإجراءات الأبحاث على الجنين وأخلاقيات البحث والسماح باستعمال خلايا الجنين واستعمال الأجنة المبرّدة للبحث أو إتلافها بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الصحة بعد استطلاع رأي اللجنة الاستشاريّة الوطنيّة لأخلاقيات علوم الصحة والحياة». ويشرح أبو شرف أن «تلك المادة تتعلّق فقط بالأجنة الميتة أو المبرّدة لمعرفة خصائص بعض الأمراض الوراثيّة».
ويلفت رومانوس إلى أنه «تم تعديل المادة الثلاثين وإضافة فصل عن خلايا المنشأ أو الخلايا الجذعيّة وحصر استخدام تلك الخلايا في المستشفيات الجامعيّة، وبإشراف لجان الأخلاقيات الطبيّة ولأهداف علاجيّة».
تعديلات إضافيّة: المرضى المساجين مثلاً
بحسب نقيب الأطباء في لبنان البروفسور شرف أبو شرف، بات يحقّ للجهات الضامنة الرسميّة فسخ التعاقد مع طبيب في حال مخالفة الطبيب لموجب التثقيف الطبّي المستمر. كما تنصّ المادة السادسة عشرة، على أنه يحظر على الطبيب الاشتراك بأي عمل تثقيفي في أي وسيلة إعلاميّة مرئيّة مسموعة أو مكتوبة من دون موافقة خطيّة مسبقة من نقابة الأطباء.
ويحظر على الطبيب اللجوء إلى أي تصرّف دعائي لمصلحته الشخصيّة أو المؤسّسة التي ينتمي إليها أو يعمل فيها أو يساهم في ملكيتها.
وفي ما يتعلّق بصحّة المساجين المرضى، تذكر المادة السابعة والعشرين الفقرة الخامسة، بأنه يحق للسجين قبول العلاج أو رفضه ما لم يعرّض سلامته أو سلامة الآخرين للخطر حسب تقرير الطبيب، ويلفت أبو شرف إلى أنه تمّ إضافة حقّ النيابة العامة المختصّة في أن تتخذ الإجراءات المناسبة المتعلّقة بهذا الموضوع.
ويشير أبو شرف إلى أن «أهمّ التعديلات الحديثة تشمل أيضاً، إلزاميّة أن يعاين الطبيب الاختصاصي في التخدير والإنعاش المريض قبل أي عمل جراحي، وأن يطلع على ملفّه الطبّي وأن يأخذ من الجراح جميع المعلومات المفيدة».