Al Jarida Online: بفضل جراحة نقل أعضاء عجائبيَّة... دالاس وينز يستعيد وجهه وحياته

Thursday, August 25, 2011

تعرّض شاب من تكساس يعمل في مجال البناء، لصعقة تيار كهربائي عالي التوتر في حادثة عمل أدت إلى محو معالم وجهه. ومدّة سنتين، كان وجه دالاس وينز الخالي من العينين والأنف يثير ذعر كل من يراه. لكنّ الأطباء استبدلوا وجهاً جديداً يعود إلى رجل ميّت بوجهه المشوّه. {شبيغل} روت القصة في المقال التالي.
تعرّض شاب من تكساس يعمل في مجال البناء، لصعقة تيار كهربائي عالي التوتر في حادثة عمل أدت إلى محو معالم وجهه. ومدّة سنتين، كان وجه دالاس وينز الخالي من العينين والأنف يثير ذعر كل من يراه. لكنّ الأطباء استبدلوا وجهاً جديداً يعود إلى رجل ميّت بوجهه المشوّه. {شبيغل} روت القصة في المقال التالي.
يدين وينز بحياته الجديدة لرجل ميّت. فقد أصبح هذا الشاب شخصاً آخر من الداخل، بل يصحّ القول إن التغيير الخارجي الذي أصابه فاق بأشواط التغيير الداخلي. تسمّي جدّته التغيير الذي شهده حفيدها بالتحوّل. وفي مقابلة أجريت معها من منزلها الصغير الواقع في أطراف فورث ورث في تكساس حيث وضعت وسادات مطرّزة وصفّاً من الأحرف المزخرفة تهجّئ كلمة {إيمان} لتزيين رفّ الموقد، قالت الجدة: {اعتاد وينز أن يكون إنساناً صعباً للغاية}. يجلس وينز الجديد على أريكة تقع تحت رفّ الموقد ويتحدّث عن تأثير ما أصاب وجهه النفسي والجسدي.
يقول وينز إن القدر غيّره مضيفاً: {نحتاج أحياناً إلى أن تحلّ بنا كارثة كي نعي حقيقة من نكون}. كذلك يتحدّث عن القوة التي شعر بها، والأمل الذي لم يبارحه يوماً، وصعوبة مواجهة مصير {إما يكون أكثر إشراقاً وإما أكثر مرارةً}. فقد حوّل 25 طبيباً مقداماً في بوسطن وينز إلى رجل مختلف من خلال نقل وجه رجل ميّت وزرعه في وجهه.
الحادثة فورث ورث إحدى المدن الريفية التي يصعب إيجادها في أميركا الوسطى الشاسعة المساحات، ويضمّ وسطها مناطق تجارية متّصلة بشبكة كبيرة من الطرق السريعة. وفي أطرافها، يستطيع السياحُ مشاهدة دزينة من المواشي الطويلة القرن وهي ترعى في براري الغرب الأميركي مرّتين في اليوم، مصحوبة بشبان يرغبون في أن يصبحوا يوماً رعاة بقر ويمتطي كلّ واحد منهم حصانه. وتبيع المحلات الموجودة عند كل زاوية أحذية مزخرفة، أكسسوارت لأحذية رعاة البقر، ونظارات شمسية توضع عند الرماية مزيّنة بعلم ولاية تكساس. وقد اعتاد سكان هذه المدينة تناول كميات كبيرة من اللحم، والصلاة بصورة متواترة في المنزل حيناً وفي الكنائس الضخمة الواقعة على جوانب الطرقات حيناً آخر.
كان وينز يعمل في إحدى هذه الكنائس عندما وقعت الحادثة بعد السادسة والنصف مساءً بقليل في 13 نوفمبر 2008. فقد قام هذا الشاب الذي كان يبلغ آنذاك 23 عاماً بحركة خاطئة عندما كان يقف على المرفاع الذراعي بالقرب من الحائط الخلفي لكنيسة Ridglea Baptist Church. كانت لذاك الحائط القرميدي خمس نوافذ وثلاث فتحات مغطاة بمصاريع. وكان وينز يدهن عتبة النوافذ باللون الأبيض.
في الممرّ غير المعبّد الواقع بين الكنيسة وصف المباني السكنية المجاورة، كانت تتدلّى من الأعمدة الكهربائية الخشبية أشرطة كهربائية عالية التوتر مغلّفة بمادة عازلة سوداء وكانت قريبة من المباني على نحو خطير. عندما انتهى وينز من طلاء عتبات النوافذ، أنزل المذراع الأمامي لدرجة أنه إما اصطدم بهذه الأشرطة الكهربائية وإما أصبح قريباً منها بشكل كبير. فآخر شيء يتذكّره وينز من ذلك اليوم هو رنين هاتفه المحمول، وكل ما تلا ذلك، بما فيه الصعقة الكهربائية التي تلقاها على وجهه، قد انمحى من ذاكرته من شدة قوة الحادثة.
وقد أخبر شهود عيان وينز لاحقاً بأن التيار الكهربائي العالي التوتّر قد دخل مباشرة إلى جسمه عندما انفجرت كتلة نارية حمراء ساخنة من أحد الأسلاك الممدودة وراء الكنيسة ملحقةً أضراراً كبيرة بكامل الجانب الأيسر من جذعه وعموده الفقري، ومخترقة جبينه ومشوّهة وجهه بالكامل.
صمود رغم المصاعب نقلت مروحية إسعاف جسم وينز الميّت إلى مستشفى دلاس باركلاند القريب من فورث ورث. وهناك، صادف الأطباء مريضاً لم يشهدوا سابقاً لحالته مثيلاً. ففي منطقة الوجه، لم يجدوا أياً من ملامح الوجه بل حرقاً لماعاً على نحو مقلق امتدّ من الجبين إلى الذقن، ومن الصدغ إلى الآخر. كانت بشرة وجه وينز محروقة، وأنفه ذائباً، وعيناه ممحيّتين، وعضلات حنكه مشدودة للغاية لدرجة أن أسنانه أصبحت متشابكة على نحو ميؤوس منه.
دامت أول جراحة خضع لها وينز 36 ساعة. ونجح الأطباء في إبقائه على قيد الحياة فأمضى الأشهر الثلاثة التالية للجراحة في غيبوبة مفتعلة طبياً. وخلال مدة ستة أشهر، أجرى له الجرّاحون واختصاصيو الحروق والجلد 22 جراحة محاولين مصارعة الموت علماً أنه كان لديهم أمل ضئيل في إمكان بقاء وينز حياً.
في البداية، أخبر الأطباء العائلةَ، المؤلفة من جديْ وينز ووالده وأخويه دايفيد ودانييل، بأن يتوقعوا حصول الأسوأ وأن فرصة نجاة وينز ضئيلة للغاية. لكن بعد أن تحدّى وينز التوقعات السريرية ببقائه على قيد الحياة، قال الأطباء للعائلة إنه لن يتمكّن من الكلام مجدّداً، وإنه فقد حاسة الشمّ إلى الأبد، وإنه لن يستطيع بعد اليوم المشي أو تناول الأطعمة الصلبة.
ولإبقاء وينز على قيد الحياة، عالج الأطباء وجهه المشوّه ولحمَه المحروق بنقلهم الجلد من فخذيه وظهره وزرعه في الجزء الأمامي من رأسه، وحتى بتمديدهم الجلد المزروع ليغطّي منطقة تجويفة العينين. في تلك المرحلة، كان فم وينز عبارة عن فجوة مائلة وملثّمة ومليئة بالندوب في وجه بشع خال من أنف وعينين، أي أن وجهه كان أشبه بجمجمة خالية من أي ملامح فيها سكسوكة بشعة مزروعة على ذقنه.
بدا وينز كإحدى الشخصيات التي رسمها فرانسيس بايكون في إحدى لوحاته، فقد كان مخلوقاً مهترئاً أشبه بالزومبي. وظلّ على هذا الشكل لسنتين تقريباً. وعندما كان يمشي في الشارع متكئاً على العصا، كان المارّون يرتعبون عند النظر إلى وجهه المروّع.
حبّ أنقذه من الموت صحيح أنه لم يكن باستطاعة وينز النظر في المرآة لرؤية شكله، إلا أنه كان يتحسّسه بواسطة أصابعه وبالتالي كانت لديه فكرة عما حلّ بوجهه. يقول وينز إنه شعر برغبة في البكاء عندما تحسّس وجهه للمرّة الأولى بعد وقوع الحادثة. إلا أن دموعه لم تنزل لأن لا عينين له.
كان وينز مطلّقاً قبل وقوع الحادثة. إذ لم يدم زواجه سوى سنتين إلا أنه أثمر طفلة. كانت سكارليت تبلغ 18 شهراً عندما فقد والدها وجهه، أي أنها كانت صغيرة جداً لتراودها أفكاراً معقّدة إنما كبيرة بما يكفي لتبثّ الراحة في نفس شخص بالغ. والأهم من ذلك كله هو أنها لم تخف عند رؤيتها وجه والدها البشع. وفي المستشفى، تعرّفت سكارليت مباشرة إلى يدي والدها وكانت سعيدة برؤيته.
عندما يتحدّث وينز عن مشهد لقائه بسكارليت بعد الحادثة، يختنق صوته المتمتم من شدّة التأثر. ويبدو واضحاً أن ردة فعل الفتاة الأولى أنقذت وينز بإرجاعها إليه ما كان قد فقده: الهوية. فقد أدرك وينز أنه لم يكن مجرّد مسخ مشوّه إنما والد هذه الطفلة، التي تعرّفت إليه ونادته باسمه. يقول وينز إن تلك اللحظة كانت رائعة وقد جعلته يقطع على نفسه وعداً بعدم الاستسلام أبداً لأنه لا يزال يستطيع الحصول على حياة أفضل.
تطوّر طبّي في تلك الفترة، لو كان وينز على علم بآخر ما توصل إليه طب نقل الأعضاء وزرعها، لبدا أكثر تفاؤلاً. فمنذ عام 2005، بدأت أولى جراحات زرع  أجزاء من الوجه تحقق نجاحاً باهراً. ففي مدينة أميانس الواقعة شمال فرنسا، أجرى الأطباء جراحة رائدة عندما استبدلوا أجزاءً من وجه إيزابيل دينوار لإصلاح الضرر الذي ألحقه بها كلب اللابرادور الخاص بها. وفي مستشفى عسكري في مدينة كسيان الواقعة في وسط الصين، حصل راعي الغنم لي غيوكسينغ على أنفٍ وشفةٍ عليا وخدّيْن من واهب ميّت دماغياً بعد أن انقضّ عليه دبّ.
في مارس 2008 أي قبل ثمانية أشهر من وقوع حادثة وينز، حصل باسكال كولير على وجه جديد كلياً في فرنسا بدلاً من وجهه الذي كانت الأورام قد شوّهته. وفي ديسمبر 2008، نقل الأطباء في كليفلاند الوجه الكامل لأحد الواهبين وزرعوه مكان وجه سيدة تدعى كوني كولب كان زوجها قد أطلق عليها النار خارج إحدى حانات هوبيدالي في أوهيو.
في الأعوام الخمسة أو الستّة الأخيرة، غامر الطب على نحو كبير ليتوصّل إلى إجراء جراحات لأعضاء لم تكن اليد البشرية قد طاولتها بعد. طالما كانت تُجرى جراحات زرع أعضاء مثل الكلى والقلب والكبد بين شخصين غريبين تماماً ولكن ليس جراحات زرع الوجه. إذ كان يُعتبر الوجه عضواً مختلفاً عن سائر الأعضاء وينظر إليه على أنه جزء من الروح وشيء ظاهر للعلن إنما شخصي وخاص إلى حدّ كبير.
لا يميل الأطباء إلى مناقشة مثل هذه الأمور من وجهة نظر فلسفية ونفسية، بل يتباحثون في ما بينهم حول ما إذا كانت أخلاقيات المهنة تسمح لهم بإجراء جراحات زرع الوجه التي تنطوي على مخاطر كثيرة. تكمن المشكلة في الأدوية. إذ يتعيّن على متلقّي الوجه الجديد أن يتناول لبقية حياته أدوية قوية تحول دون رفض الجسم للنسيج الغريب. تعمل هذه الأدوية على كبح دفاعات جهاز المناعة، كذلك تثير عوارض جانبية قويّة مثل سرطان الجلد، وداء السكري، ومشاكل في الكلى، وأوجاع رأس مزمنة.
يعتبر معارضو جراحات زرع الوجه أن وصف مثل هذه الأدوية يتنافى مع أخلاقيات مهنة الطب وأن حياة المريض لا تقف على هذه الجراحات. كذلك يقولون إن الوجه، بخلاف الكبد أو الرئة، ليس ضرورياً للبقاء على قيد الحياة.
لكن أيّ شخص يتمتّع بالجرأة الكافية للنظر إلى صور ما قبل الجراحة التي تصوّر حال مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين خضغوا لجراحات زرع وجه، سيفهم بعد النظر إليها أن هذه الحجج نظرية بحتة. صحيح أن الإنسان قادر على العيش من دون وجه، إلا أن حياته حينها لن يكون لها أي معنى. فرصة وليدة تفاؤل
اعترف جيفري جانيس، الطبيب الذي يعالج وينز في تكساس، بأنه من الممكن أن يصبح وينز المريض الثاني أو الثالث في تاريخ الطب- والأول في تاريخ الولايات المتحدة- الذي يحصل على وجه جديد كلياً. وكان الجرّاح التجميلي المرموق جانيس هو من أنقذ حياة وينز فور تعرّضه للحادثة. وعلى غرار أي طبيب طموح في الولايات المتحدة، يحاول جانيس عدم تفويت حضور المؤتمرات الطبية. وفي أحد تلك المؤتمرات، استمع جانيس إلى عرض قدّمه الدكتور بوهدان بوماهاك، مدير مركز بورن سنتر
( Burn Center) في مستشفى بريغهام أند ويمان (Brigham and Women) في بوسطن.
تحدّث بوماهاك ذو الأصل التشيكي عن الاختبارات الأولية التي أجريب على جراحات زرع أعضاء من الوجه. لكن الأهم من ذلك، استطاع الحصول على ميزانية بحث سخيّة تسمح له بتمويل ما لا يقلّ عن ستّ جراحات زرع أعضاء. إذ منحته وزارة الدفاع الأميركية هبة بقيمة 3.5 ملايين دولار ( 2.5 مليون يورو)  ليمضي قدماً في أبحاث جراحة الوجه التجميلية التي قد تفيد أيضاً الجنود الذي يصابون في الحروب.
كان جانيس قد أطلع بوماهاك على قصة وينز خلال ذلك المؤتمر الطبي. وعندما رأى بوماهاك وينز للمرّة الأولى، كاد أن يرفضه كمرشّح للخضوع لجراحة زرع. ذلك أن بوماهاك لم يكن قد صادف خلال مسيرته الطبية وجهاً كوجه دينز سوى مرات معدودة.
ومع ذلك، جعل بوماهاك فريقه يلقي نظرة عن كثب على وينز وطلب منه تحليل نسيجه وشرايين دمه وأعصابه. كذلك صوِّر الفريق رأس وينز صورة ثلاثية الأبعاد وأعدّ نموذجاً عن جمجمته المتضرّرة ونماذج عن قطع العظام الناقصة التي سيتوجب أخذها من أحد الواهبين في وقت لاحق.
بالإضافة إلى ذلك، تحدّث الفريق مع وينز الذي تعلّم التحدّث مجدداً ضارباً بعرض الحائط توقعات الأطباء. وبالفعل، من المحتمل جداً أن تكون إيجابية وينز وتفاؤله الذي يتميّز به سكان تكساس، وإيمانه القوي، هي العوامل التي أقنعت في نهاية المطاف الفريق الطبي في بوسطن بالقبول به كمرشّح لجراحة زرع الوجه. لم يكن وينز يعرف الخوف، بل كان يريد الحصول على فرصته، وفي النهاية حصل عليها.
15 ساعة في الجراحة
تُعدّ بوسطن أرضاً مقدّسة بالنسبة إلى كل أطباء العالم. تحيط بكلية الطب في جامعة هارفرد مجموعةٌ من المستشفيات المهمة ومن مراكز أبحاث شهيرة تمتدّ جميعها على مساحة مدينة صغيرة. وفي أحد هذه الأبنية، {قبة الأثير} (Ether Dome)، أُجريت أول جراحة تحت تأثير مخدرّ الإثير في عام 1846، كذلك في 23 ديسمبر 1954، أجرى فيه جوزيف موراي الذي فاز لاحقاً بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء، أول جراحة زرع كلية بشرية ناجحة بين توأمين حقيقيين.
في البدايات، كانت جراحة زرع الأعضاء لعبة تقوم على التخمين. لم ينجُ من هذه الجراحات سوى عدد صغير من المرضى في حين كان يموت كثر بسبب تعرّضهم لكميات كبيرة من الأشعة السينية التي كانت تضرّ على نحو كبير بدفاعات جهاز المناعة لديهم. ففي تلك الأيام، لم يكن قد توصّل العلم بعد إلى التجهيزات الطبية وأجهزة الكمبيوتر وإلى التكنولوجيا التحليلية التي تسمح اليوم بتشريح الجسم البشري على مستوى الخلية.
وعندما كان وينز ممدّداً على طاولة الجراحات في بريغهام في مارس 2011، كان جسمه أشبه بكتاب مفتوح. ولم يكن في العالم كلّه سوى شخصين، واحد في إسبانيا والآخر في فرنسا، قد خضعا لجراحة زرع وجه كامل، وآنذاك كان دور وينز للخضوع لمثل هذه الجراحة.
جعل الشريط المصوّر الذي اختصر جراحة دامت 15 ساعة في بضع دقائق، الجراحةَ تبدو أقل تعقيداً بكثير مما كانت عليه في الواقع. وتظهر فيه مجموعة من الأطباء يقفون بهدوء حول طاولة الجراحات ويرتدون أنظمة تكبير متطوّرة للغاية على رأسهم. كذلك يُظهر الشريط علبة تبريد زرقاء اللون ذات غطاء أبيض. ويُرجح أن يكون في هذه العلبة وجه الواهب موضوع في كيس بلاستيكي معقّم موجود داخل كيس آخر مليء بالمياه المحاطة بقطع الثلج.
تعقيدات الجراحة كمن هدف الجراحة الأساسي في نقل الوجه من الشخص الميّت مع كل ما فيه من أنسجة وأعصاب وأوعية دموية، ثم ربط أطرافها أو ختمها بواسطة مشرط كهربائي وربط هذا القناع بالوريد الوداجي والشريان الشباتي لدى المتلقّي. وفي هذا الإطار، يقول ستيفان توليوس، رئيس قسم جراحة زرع الأعضاء في مستشفى بريغهام: {ما إن تنشط الدورة الدموية، ليس لديك سوى القليل من الوقت لتركيب الوجه}.
يستعين توليوس بكتب علم التشريح ليشرح لنا تفاصيل الجراحة. والجدير ذكره أن توليوس من مواليد بلدة Bad Kreuznach الواقعة في ألمانيا الغربية وقد حصل على شهادة الطب من جامعة فرانكفورت. عمل توليوس في مستشفى Virchow Hospital في برلين لمدة 12 عاماً نقل خلالها آلاف الأعضاء بما فيها الكلية والكبد والبنكرياس. وفي عام 2005، بدأ بالعمل في بوسطن. وراهناً، يدير مختبر الأبحاث الخاص به، ويجري الجراحات في مستشفى بريغهام ويدرّس في كلية الطب في هارفرد. وعندما أٌدخل وينز إلى غرفة الجراحات، كان توليوس من بين طاقم الأطباء الذي ساعدوا بوماهاك في إجراء الجراحة وقد شارك آنذاك بصفة كبير الجرّاحين.
في هذا الصدد، يشرح توليوس أن الجراحة تتطلّب وصل مئات الأوعية الدموية والأعصاب الصغيرة الموجودة في الوجه، {ما يفسّر سبب استغراقها وقتاً طويلاً}. تُخيّطُ الألياف العصبية الكبيرة، التي بالكاد تبلغ سماكتها سماكة شعرة، مع بعضها البعض بواسطة إبر وخيوط رفيعة {والتي أصبحت متوافرة في يومنا هذا ولم تعد تشكّل معضلة}. يقول توليوس إن وجه الواهب يُثبّت على رأس المتلقّي لأسباب عدة من بينها أن الكثير من خيوط عضلات الوجه قد رُبط برأس المتلقّي.
ريادة طبيّة وتحدّ فلسفي يتحدّث توليوس عن الضغط الهائل الذي يشعر به الأطباء عندما يجرون جراحات في مجال طبّي جديد. ويعي هذا الجرّاح أن جراحات الوجه التي تعد نقطة تحوّل في عالم الجراحة ستوسعّ آفاق العمل الطبي.
لدى توليوس ولدان. كان أحدهما يبلغ ستة أعوام عندما شاهد برنامجاً تلفزيونياً عن جراحة زرع جزئية للوجه كان والده قد شارك فيها. يقول توليوس إن ابنه لم يكن يبدي أي اهتمام خاص بعمله وبالكلى وبالبنكرياس وبسائر الأعضاء إلى أن شاهد ذلك البرنامج التلفزيوني.
لكن عندما عرف ابن توليوس أن هذه الجراحة ستكون جراحة وجه كامل، سأل والده: {وماذا عن الشخص الذي وهب الوجه؟}. فجأة، وجد توليوس نفسه مجبراً على الحديث مع ابنه عن الموت. فقال له: {في ما يتعلّق بالوجه، فإن الأسئلة المرتبطة بالمتلقّي وبالواهب، وبالحياة والموت، مختلفة لأنها أكثر إلحاحاً. فهكذا تجري الأمور}.
وبالفعل، تحصل أمور مذهلة وغير مفهومة في الجسم البشري بسبب جراحات زرع الأعضاء. وفي هذا الصدد، يصف توليوس حالة أحد المرضى الذين خضعوا في بوسطن لجراحة زرع قسم الوجه السفلي. فبعد انتهاء الجراحة، لاحظ الأطباء أن لون بشرة المريض كانت تميل إلى الأحمر الفاتح كل أربعة أسابيع. في البداية، اعتبر الأطباء هذا التبدّل في لون البشرة على أنه الإشارة الأولى الى رفض الجسم العضو المزروع. لكنهم علموا في ما بعد أن واهب الوجه السفلي كان مصاباً بمرض جلدي يُعرف بداء الوردية والذي {ورثه" متلقّي العضو المزروع عن الواهب. يضيف توليوس: {ثمة أمور كثيرة لا نزال عاجزين عن فهمها}.
يُجري توليوس الكثير من الأبحاث على فئران المختبر وغالباً ما تتوارد إلى ذهنه خلال عمله أسئلة فلسفية عدة منها: ما هو العمر؟ ما هو الشباب؟ وما الذي يحدّد الحياة؟
جعل الوجه وجهه تبادرت مثل هذه الأسئلة إلى الذهن خلال اللقاء بوينز في منزل جدّيْه الصغير الواقع على أطراف فورث ورث. لا يعرف أحد أي شيء عن الواهب لأن عائلته أصرّت على عدم الكشف عن هويته. يقبع وجه الواهب على رأس وينز مثل قناع {هالووين" مصنوع من مادة اللاتكس، لكن ما هذه الصورة سوى انطباع أولي. إذ سرعان ما يتّضح أن هذا القناع يكشف عن أساسيات تعبير الوجه وأن ثمة عضلات قليلة تتحرّك تحت البشرة. ومن المتوقّع أن تتحسّن حالة العضلات مع الوقت ومع استمرار الأعصاب في {الانغراس}.
عندما تتحدّث إلى وينز وتحدّق في وجهه، تكاد أن تنسى أن ثمة خطباً ما في هذا الوجه. لا سيّما حين يرتدي نظارات شمسية والتي يبدو فيها كمريض تعرّض لسكتة دماغية، أو كلاعب بوكر عديم المشاعر أو كضابط شرطة مضحك في أحد المسلسلات التلفزيونية. وعموماً، إذا قارنّا وجهه الحالي بذلك البشع الذي كان لديه لمدة عامين بعد الحادثة، لوجدنا أنه يبدو تقريباً كإنسان طبيعي.
صحيح أن الزاوية اليمنى من فمه مائلة بعض الشيء، إلا أنها تقل بروزاً عندما يطيل وينز لحيته. كذلك ينمو شعر وينز على رأسه بشكل طبيعي. يقول وينز وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة سعيدة: {لقد قصصت لتوّي شعري}.
في الواقع، يشكّل الشعر عنصراً مثيراً للاهتمام في قصة وينز. إذ يبدو جلياً أن الواهب كان أكبر سناً وحجماً من وينز وأنه كان لديه شعر رمادي اللون. لكن لم يعد الشعر رمادياً بعد اليوم. ففي غضون أسابيع قليلة، أدخل وينز شعر الواهب إلى داخل جسمه فعكس صغر سنه وهرموناته، بطريقة ما، عملية الشيب هذه. واليوم، لدى وينز شعر بني داكن يميل إلى السواد، بدلاً من شعر الواهب الرمادي اللون. يقول وينز وهو يمرّر يده في شعره بحماسة كبيرة: {إنه شعري، إنه رأسي ووجهي}.
وينز إنسان مرح يضحك كثيراً ويشيع البهجة في نفوس الموجودين. يتكلّم بسرعة ويتمتم كثيراً لأن فمه لا يزال يواجه مشاكل وظيفية. لكن على رغم كل توقعات الأطباء، لا يزال وينز قادراً على الكلام والمشي مع أن الجميع كان قد قال إنه لن يستطيع المشي مجدداً. حتى أنه استعاد حاسة الشم.
في الواقع، ظهر هذا التحسّن الأخير في مرحلة مبكرة نسبياً من محنة وينز. عندما سحب الأطباءُ الأنابيب من أنف وينز في مستشفى بريغهام أند ويمان، كان قادراً على شمّ رائحة الطبق الذي أعدته المستشفى، اللازانيا، بواسطة أنف الواهب الذي بات أنف وينز الجديد. يصف وينز تلك الرائحة بـ{أنها أروع رائحة شممتها يوماً}. وفي وقت لاحق، أصبح وينز قادراً على الشعور بلمسة يديّ ابنته على وجهه وبقبلاتها الصغيرة. ومنذ ذلك الوقت، أصبح وينز رجلاً سعيداً.
معجزة الحياة على رغم ذلك كلّه، لا يزال الوجه الجديد يتسبّب لوينز بالكثير من الانزعاج الذي يتجلّى بوضوح عندما يقف أو يمشي أو يحرّك يديه. في الحقيقة، يبدو رأسه وجسمه متناقضين نوعاً ما أو على خلاف مع بعضهما البعض. لكن يقول الأطباء إن هذا الوضع طبيعي وإن وينز سيتحسّن وسينجح في نهاية المطاف في التأقلم مع الوجه الجديد وإنه سيشبه نفسه بنسبة %60 ويشبه الواهب بنسبة %40. قد تبدو لكم قصة وينز أشبه بقصص الوحش فرانكشتاين أو قصص الخيال العلمي. لكن في النهاية، ما هي إلا اختبار لحدود الخيال البشري.
عندما يخلع وينز نظاراته الشمسية للحظة من الوقت، لا تشعر بأن ثمة شيئاً مخيفاً في وجهه. وبدلاً من أن تجد وجهاً بشعاً، تجد وجهاً متعباً ومنزعجاً. فجفنه الأيمن مغلق وكأن كل الجانب الأيمن من وجهه لا يزال نائماً، والأجزاء البيضاء من عينه اليسرى ظاهرة بوضوح.
إنه مشهد مؤثّر، مشهد يلغي من فكرك صور الوحوش التي قد تتراءى لك عادةً عند رؤية هكذا منظر، ويذكّرك عوضاً عن ذلك بمعجزة الحياة. إنه مشهد يكشف لك أن ثمة كائناً بشرياً جالساً هناك، بل كائن مميزّ للغاية.