نظمت «اللجنة الوطنية لوهب الأعضاء »أول من أمس التدريب الأخير للجسم الطبي على لحظة «ما بعد الموت الدماغي». تدريب مشجّع إلا انه كشف حجم الخوف من «وهب الأعضاء» وعدم تقبّله اجتماعياً بعد.
ماذا لو أصبحنا، ولو بالتفكير، واهبين للأعضاء؟ عندها تتغيّر معادلة الموت والحياة. فلا يعود إكرام الميت بدفنه، بل بقدرته على إعادة الحياة لسبعة أشخاص من خلال التبرّع بأعضاء من جسده عقب «موته الدماغي». عندها، «يتغيّر واقع وهب الأعضاء، ويكون لبنان قادراً على زيادة عدد الواهبين من عامٍ إلى آخر»، يقول نائب رئيس اللجنة الوطنية لوهب الأعضاء الدكتور أنطوان استيفان. لكن السؤال الافتراضي أعلاه لم يصبح حقيقة، أقله إلى الآن، إذ إن واقع الوهب مأساوي في لبنان، لا يتجاوز الواحد بالمليون. وإذا ما افترضنا أن عدد سكان لبنان 4 ملايين ونصف المليون «فعنّا بالماكسيموم 4 واهبين»، يقول استيفان. أسباب هذا «الجهل» كثيرة منها العادات، أو عدم تقبل عائلة «المتوفى دماغياً» لفكرة موت ابنها مقابل حياة آخرين.
هي إذاً هذه الـ«اللام ألف التي تحرم طفلاً ينتظر قلباً لينبض من جديد أو الطفلة التي سئمت من غسل الكلى، أو.. أو.. أو». ولأجل أن تصبح «اللام ألف»، نعم، نظّمت اللجنة الوطنية لوهب الأعضاء سلسلة تدريبات تهدف لتعزيز فكرة وهب الأعضاء. وبما أن الصعود «لا يكون إلا درجة درجة»، بدأت اللجنة تدريباتها مع الجسم الطبي، ولا سيما أطباء وممرضي الطوارئ أو العناية الفائقة في المستشفيات (ومنهم أيضاً منسّقو اللجنة الوطنية لوهب الأعضاء). وكان أول من أمس آخر تدريب لبيروت والجنوب بعد 4 تدريبات في المناطق اللبنانية. اللافت في هذه التدريبات أنها المرة الأولى التي «تستعين فيها اللجنة بمدربين محليين»، يقول استيفان. وتأتي هذه المرة الأولى بعد جولة طويلة من التدريبات التي قام بها «الإسبان هنا»، يتابع. كما أنها كانت لافتة بمشاركة 14 مستشفى إضافية، ليصبح العدد 28 مستشفى.
خمسة تدريبات مناطقية لهدفٍ واحد: تعليم الطاقم الطبي كيفية التعاطي مع لحظة ما بعد الموت الدماغي. ماذا بعد هذا الإعلان؟. هذا السؤال كان المحور الأساس للتدريبات، إذ إن الجهد ما قبل الموت الدماغي هو نفسه الجهد الذي يفترض أن يبذله الطاقم الطبي ما بعد هذا الموت.
وقد انقسم التدريب إلى قسمين: قسم تعليمي وآخر عملي. في القسم الأول، شرح المدرّبون، ومعظمهم أعضاء في اللجنة الوطنية، للمتدرّبين كيفية تثبيت حالة الوفاة الدماغية وتقدير ما إذا كان المتوفى واهباً أو لا وكيفية المحافظة على أعضائه إن كان واهباً.
في الجزء الثاني، انقسم الطلاب 3 مجموعات. في الأولى يختبر «الطلاب» كيفية تشخيص حالة الموت الدماغي والمحافظة على الأعضاء من خلال إكمال عملية إنعاش الأعضاء. في الثانية يفرّقون بين الواهب وغير الواهب والتعرّف إلى شروط تبليغ الأهل بخبر الوفاة الدماغية. في الثالثة يتعلمون كيف يبلغون الأهل؟ ومتى؟ وأين؟ وتعريفهم بحملة وهب الأعضاء.
في الثالثة، كانت «البروفا» الأصعب. عاش «الطلاب» اللحظة كما لو أنها تحصل فعلاً. نجحوا مرة وفشلوا مراراً. كلّ هذا يتوقعه المشرف على الحلقة المحلل النفسي بطرس غانم الذي كان يلتقط حتى «أنفاس الطلاب». نجحت العائلة في الاختبار، وهي الرافضة للوهب بطبيعة الحال خوفاً على الجسد، وسقط الطاقم الطبي في بعض المطبات، وخصوصاً في كيفية التبليغ والمكان. فهنا في لبنان، يسقط الخبر كالصاعقة «ابنكم مات» او في أحسن الأحوال مات «مع الأسف». أما المكان، فقد يكون في «الممرّ». وأما «سمعة» وهب الأعضاء فسيئة، وغالباً ما تفهمها العائلة في إطار «تجارة وهب الأعضاء». والسبب؟ «أننا لم نؤمن كفاية بعملية وهب الأعضاء»، يقول استيفان. يقارن الرجل بين التجربة اللبنانية والأخرى الإسبانية او الأميركية. فهناك، المشوار يبدأ بعد اعلان الموت الدماغي، اما هنا فينتهي. ولكل هذا، «نحن عندنا 1 بالمليون وفي اسبانيا 35 بالمليون». فرق شاسع بين البلدين، وما يزيد الطين بلة هو التعاطي «اللامبالي» مع الموضوع «فبعدما عممنا تجربة بطاقة الوهب منذ عامين لم نصل الآن إلا إلى 4000 بطاقة فقط». لكن، حتى هذه البطاقات لا قيمة لها اذا ما تعرض صاحبها للموت الدماغي، فهي لا تقرر شيئاً، وإنما العائلة، التي لم تتقبل بعد فكرة أن تهب حياة ابنها لسبعة آخرين، على الرغم من الاستفتاءات التي تبين عكس ذلك، ففي استفتاء أجري قبل 5 سنوات، أبدى 53% موافقتهم على وهب أعضائهم. لكن، وقت «الحزّة» الـ«53% بيصيروا 1 من مليون».
راجانا حمية