أثارت زراعة قلب صناعي للمواطنة أميمة سرور في مستشفى الرسول الأعظم، المشاكل التي تواجه تلك العمليات في لبنان. فقد عانت أميمة (26 عاماً) من قصور حاد في عضلة القلب، ولم يكن بالإمكان توفير قلب طبيعي لها. كما لم يكن باستطاعة أهلها وأقاربها توفير الكلفة المالية لإجراء عملية زرع قلب صناعي لها، علماً أن الكلفة تبلغ مئة وخمسين ألف دولار أميركي، ما أدّى إلى الاستعانة بقناة «المنار»، والإعلان عن فتح صندوق تبرعات لأميمة. فتم جمع مئة ألف دولار، بينما تكفل «مركز بيروت للقلب» في «مستشفى الرسول الأعظم» بدفع الخمسين ألف دولار المتبقية.
أجرى المدير الطبي في المركز الدكتور محمد صعب العملية لأميمة. كما أجرى قبلها عملية زراعة قلب صناعي لشاب من الشمال يبلغ العشرين من العمر، وقد تم جمع الكلفة حينها بالطريقة نفسها، فلمّت تبرعات شخصية من أقارب المريض، وتكفّل المستشفى بتغطية المبلغ المتبقي. 10 أشخاص سنوياً يحتاجون إلى قلب
هناك حالياً خمسة مرضى في «مركز بيروت للقلب» بحاجة إلى عمليات زرع قلب صناعي أو طبيعي، بينهم شاب في الخامسة والثلاثين من عمره، تقرر إجراء عملية له بعد حصوله على تبرع مالي من مؤسسة خاصة. كما في المركز مريض فئة دمه «أو سلبي»، ما يضاعف صعوبة تأمين قلب طبيعي له، لأن فئة الدم المذكورة متوفرة لدى نسبة خمسة في المئة فقط من الشعب اللبناني، ناهيك عن كون المريض لا يملك المال اللازم لزرع القلب الصناعي.
وإلى ذلك، أجريت عمليتا زرع قلب صناعي في لبنان، الأولى في مستشفى الجامعة الأميركية، والثانية في مستشفى الجعيتاوي.
ويؤكد صعب أن عشرة أشخاص تقريباً، يحتاجون سنوياً في لبنان، إلى الخضوع لعمليات زرع قلب صناعي. ويقول إن «المشكلة تفرض على كل من وزارة الصحة ومؤسسة الضمان الاجتماعي والصحي، إجراء دراسة جدية لتغطية عمليات الزراعة».
تجدر الإشارة هنا إلى أن وزارة الصحة تغطي حالياً الكلفة الناتجة من إجراء ما بين ألفين وألفين وخمسمئة عملية قلب مفتوح، علماً أن عدد عمليات القلب المفتوح في لبنان، يتراوح سنوياً، ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف. وتبلغ كلفة عملية القلب المفتوح عشرة ملايين ليرة لبنانية.
ويلفت صعب في هذا الإطار إلى أن مؤسسات الضمان الصحي في الولايات المتحدة الأميركية وفي الدول الأوروبية، قررت تغطية عمليات زراعة القلب، بسبب عجز الناس عن دفع كلفتها المالية المرتفعة. وبموجب ذلك، يزرع في فرنسا حالياً ما يقارب مئة وخمسين ألف قلب صناعي سنوياً، ويزرع في ألمانيا ما يقارب ثلاثمئة قلب صناعي.
20 عاماً من الأبحاث الطبية
يعتبر القصور العضلي من أخطر الأمراض التي تصيب قلب الإنسان، لأنه يصبح عاجزاً عن ضخ الكمية التي يحتاجها الجسم من الدم، خاصة عندما يبلغ القصور مراحل متقدمة، ما يجعل فترة الحياة محدودة جداً.
وتنشط الأبحاث الطبية، منذ عشرين عاماً تقريباً، في مجال تطوير زراعة القلب الصناعي. إذ كانت تعاني هذه الزراعة من مشكلة حجم القلب الصناعي الكبير، والمضاعفات التي يتسبب بها داخل الجسم، كالجلطات والنزيف، علماً أن الهدف من زراعته هو السماح للمريض بالصمود لفترة لا تتجاوز الشهرين، بانتظار حصوله على قلب طبيعي.
وبنتيجة الأبحاث الطبية، تم التوصل إلى إنتاج قلب صناعي أصغر حجماً وأخف وزناً، قادر على العمل لفترة طويلة، ولكنه يتسبب، على المدى البعيد، بالتهابات داخل الجسم. ولكي يعمل، يحتاج القلب الصناعي إلى جهاز بطارية من نوع خاص، فيتم تركيب البطارية خارج الجسم، وتبقى ظاهرة للعيان.
وقد سجّل حالياً تطور هام في الأبحاث، من المتوقع أن يتيح تصنيع قلب بحجم ولاعة يدوية صغيرة، ويسمح بتركيب البطارية داخل الجسم. يقول صعب إن «ذلك التطور سوف يؤدي إلى ما يسميه الباحثون life quality of، أي: تأمين نوعية الحياة، فمع تصغير حجم القلب الصناعي، لن يعود الانتظار للحصول على قلب طبيعي مشكلة»
لماذا تنعدم ثقافة التبرع عندنا؟
في انتظار أن يستحيل ذلك واقعاً، يعتبر الحصول على قلب طبيعي مسألة شديدة الصعوبة في العالم كله، وتزداد المشكلة في لبنان مع انعدام ثقافة التبرع بالأعضاء. ففي اسبانيا مثلاً، يستطيع المريض الحصول على قلب طبيعي بعد انتظار تصل مدته إلى ثلاثة أشهر. وفي ألمانيا، يترتب على المريض الانتظار لفترة تتراوح ما بين ستة وتسعة أشهر. وفي فرنسا، تتراوح مدة الانتظار ما بين تسعة أشهر وسنة. أما في لبنان فيترتب على المريض الانتظار لفترة تتراوح بين ثلاث وأربع سنوات، وهي مدة تؤدي إلى وفاة المريض قبل حصوله على قلب.
ويقول صعب إن «غالبية الناس في لبنان يرفضون وهب الأعضاء لأنهم يعتبرونه فعلاً محرماً دينياً، مع العلم أن رجال الدين المسلمين والمسيحيين أوضحوا أكثر من مرة أن الدين لا يعارض التبرع بالأعضاء». أما السبب الثاني في الرفض فيرده صعب إلى العاطفة، «لأن عملية الحصول على القلب تتم في حالة واحدة فقط، وهي دخول المريض الذي يفترض أن يهب قلبه في حالة الموت الدماغي، أي قبل حصول الوفاة التامة، علماً أن الوفاة في هذه الحال حتمية. وفي حالة الموت الدماغي، يمكن للقلب أن يعيش لمدة يومين أو ثلاثة أيام، قبل أن تغادره الحياة. لكن الأهل، عندما يرون قلب مريضهم ينبض أمامهم على الشاشة، يعتقدون دائماً أن معجزة ما سوف تعيد إليه الحياة، ويرفضون التبرع بقلبه. وهنا، يتوجب عليهم إجراء المفاضلة بين الإحساس ببقاء ذلك القلب على قيد الحياة في جسد شخص آخر يحتاج إليه، وبين انتظار موت قريبهم المحتم».
للقلب الطبيعي مخاطره أيضاً
في حال توفر القلب الطبيعي، والنجاح في زراعته، لا ينتهي الخطر. يشرح صعب أن «الجسم يرفض القلب الخارج عن تركيبته البيولوجية، فيتوجب على المريض تناول دواء لكي يعتاد جسمه على القلب الجديد. كما يصبح الجسم معرضاً للالتهابات، ويمكن للأدوية أن تتسبب بمروحة من المضاعفات، من ارتفاع ضغط الدم إلى السرطان. كما لا يمكن زرع القلب الطبيعي في جسد مريض، إلا إذا كان المتبرع ينتمي إلى فئة دمه».
مع ذلك، يشدد صعب على أنه «يجب ألا ننسى أبداً أن الهدف من زراعة القلب الصناعي أو الطبيعي هو محاولة إطالة مدة حياة أصبحت شبه محددة بستة أشهر لا أكثر». وعن المدى الذي يمكن للإطالة أن تبلغه، يوضح صعب أن «نسبة خمسة وثمانين في المئة من المرضى الذين يخضعون لعملية زرع قلب طبيعي يبقون على قيد الحياة لمدة عامين، ونسبة خمسة وستين في المئة منهم يعبرون السنتين ويبقون على قيد الحياة لمدة عشرة أعوام،
ونسبة ستين في المئة منهم تطول حياتهم لمدة خمسة عشر عاماً».
ياغي زينب