لعلّ أكثر الأمراض صعوبة هي تلك التي يعيش خلالها الأهل على أمل الشفاء.. أمل إيجاد الحلّ القاطع لمشكلة صغيرهم الذي يعاني. هم مستعدّون للتضحية بأيّ شيء، مهما غلا، حتى يطيب فلذة كبدهم.
أمراض الكلى. لعلّ صعوبتها تكمن في صعوبة علاجها، بحسب ما يوضح الاختصاصي في أمراض وزرع الكلى عند الأطفال الدكتور شبل موراني. فـ«الغسيل» ليس سوى مرحلة انتظار تسبق الزرع.. «الأمل المطلق». وهنا تأتي المشكلة: توفّر الأعضاء، إذا لم يكن أحد من الوالدين مؤهلاً للوهب.
في الثامنة من عمرها، في عزّ طفولتها، بدأت لين (اسم مستعار) علاج غسيل الكلى. كانت تعاني من مرض يتسبّب بتكلّس في الكلى وفي أعضاء الجسم الأخرى، يسمّى «Oxalose». فبدأت الغسيل وهي بحاجة إلى كلية وكبد. بعد سنوات، وبعد عرض حالتها على جمعيّات عدّة وفاعلي خير كثر، تمّ جمع مبلغ مالي قدره 250 ألف دولار أميركي يخوّلها السفر خارجاً ويغطّي تكاليف العمليّة الجراحيّة. لكن، وعلى الرغم من كل ذلك، لم تتمكّن من الحصول على العضوين اللذين كانت تحتاجهما. فتوفيت لين وهي في الـ18 من عمرها، بعدما قضت طفولة ومراهقة ملأهما «الأمل» على الرغم من «الألم». توفيت من دون أن تتمكّن من تحقيق حلمها.. ومن دون أن يتمكّن أهلها من إنقاذها.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى توصيـات «الجمعيّة العــربيّة لأمراض الكلى» التي نصحت بضرورة عدم زواج الأقارب. فهو لا ينقل فقط الأمراض الوراثيّة بل أيضاً مرض «أوكسالوز». ونحن في لبنان، نعاني منه بنسبة تتخطّى النسب العالميّة بثلاثة أضعاف.
من جهة أخرى، ولإنفاذ أطفالهم، نرى كثيرين يتوجّهون إلى الخارج حيث وعدوا بأعضاء... يشترونها ليزرعوها في أجساد صغارهم المنهكة. ففي ظلّ معوّقات وهب الأعضاء في لبنان، هم مستعدّون لدفع مبالغ مالية كبيرة على أساس أن صحّة طفلهم «أغلى من ذهب العالم». لكن تلك العمليّات والصفقات غالباً ما تتمّ في دول فقيرة وفي ظروف صحيّة غير مناسبة.. فيرجع الأهل إلى الوطن وأطفالهم إما مشوّهون وإما مضطرون لمعالجة المضاعفات وقد عادوا إلى نقطة الصفر.
هو ألم تضاف إلـــيه خسارة كلّ مدّخــرات العــمر لا بل أكثر.. في ظلّ آمال مضلّلة جعلتهم يتحدّون معاناتهم ويـتوهّمون.
Assafir: آمـال مضلّلة
الثلاثاء, نوفمبر 10, 2009