يجتمعون بعد سنوات من الفراق. يمرون بالجامعة حيث درسوا على مقاعدها. سنوات كثيرة مرت بين الأمس حين كانوا طلابا، وبين اليوم وهم يروون لنا عن تاريخ التخصصات الطبية في لبنان التي ساهموا بتطويرها. يقفون دقيقة صمت على أرواح زملائهم الذين مضوا. يصفق لهم أحفادهم ويلتقطون لهم الصور. هم أطباء شاركوا في المؤتمر حول تاريخ التخصصات الطبية في لبنان الذي نظمته «جمعية متخرجي كلية الطب في جامعة «القديس يوسف»، ليسترجعوا تاريخ التخصصات الطبية ومسارها.
طب أمراض الكلى
بلغ عدد الأطباء المتخصصين بأمراض الكلى، في العام 1970، ثمانية أطباء، بينما يبلغ العدد اليوم 151 طبيبا. ارتكزت مفاتيح تطور الاختصاص على تطور التكنولوجيا والعقاقير وسبل التشخيص، وأجهزة عملية غسل الكلى. تلفت البروفيسورة عايدة موصللي إلى أن مراكز غسيل الكلى في لبنان لم يتجاوز عددها التسعة في العام 1975، بينما يوجد اليوم 70 مركزا تنتشر في جميع المناطق اللبنانية. ارتفع معدل الأفراد الذين يحتاجون إلى غسل الكلى من 200 مريض بين مليون شخص في العام 1991 إلى 778 مريضا لكل مليون شخص في العام 2015. في العام 1983 تم وضع قانون وهب الأعضاء وزرعها، وتأسست الهيئة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية في العام 1999. وبلغ عدد عمليات زرع الكلى، بين الأعوام 1985 و2014، في لبنان 1709 عمليات. تقول موصللي إن لبنان حقق قفزة كبيرة في اختصاص أمراض الكلى منذ العام 1960 وحتى اليوم، وتساهم الوقاية ونشر المعرفة في خفض عدد حالات الفشل الكلوي.
داء السل
عرف لبنان داء السل أواخر القرن التاسع عشر حين كان منتشرا في أوروبا وآسيا وأميركا بسبب عودة المهاجرين، وانتقال الأشخاص من القرى إلى المدن، وغياب المعايير المناسبة لمواجهة المرض. كان داء السل، وفق البروفيسور فرنسيس خوري، مخجلا ومعيبا فيُمنع على المحيط معرفة حال المريض.
تم ، في العام 1907، انشاء المصحة الأولى في المعاملتين على يد الدكتورة ماري بيرسون ادي. انشئت مصحة بحنس (500 سرير) في العام 1908، ومصحة ضهر الباشق في العام 1909 (150 سريرا)، والعزونية (200 سرير) في العام 1938. كان الناس يتخوفون من مد تلك المصحات بالأطعمة والمنتجات الطازجة بسبب «فوبيا السل». استقبلت تلك المصحات المرضى من خارج لبنان (الدول العربية الأخرى، تركيا، ايران، أفريقيا) نظرا إلى نجاح الطواقم الطبية والتمريضية. سجلت علاجات داء السل تطورا مهما فارتفعت نسبة الشفاء. لم يعد المرضى يقصدون لبنان لتلقي العلاج الذي أصبح متوافرا في بلادهم، وتحولت تلك المصحات إلى بيوت للراحة. بلغ عدد المصابين بداء السل في العام 1993 ألف مصاب، و375 في العام 2006، ليرتفع إلى 682 مصابا في العام 2014 بسبب العاملات الأجنبيات، والنازحين السوريين.
علم الأمراض التشريحي
كانت مختبرات «الجامعة الأميركية في بيروت»، و «القديس يوسف» الوحيدة التي تجري فحوصات الباتولوجيا لدراسة الأمراض وخصائص الأنسجة، ثم بدأ المختبر المركزي بإجراء تلك الفحوص بقرار من وزارة الصحة العامة. يلفت البروفيسور ادغار جدعون إلى أنه منذ العام 1982، شهد هذا الاختصاص عودة المتخرجين الشباب إلى لبنان وافتتاح مراكز في المستشفيات في بيروت. كان عدد المتخصصين في الباتولوجيا ثلاثة في العام 1958 ليصبح اليوم 68. وأصبحت المختبرات، اليوم، مجهزة أكثر بالمعدات والوسائل الحديثة.
جراحة التجميل
لا يعتبر اختصاص الجراحة التجميلية جديدا، بل يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد إذ عُرف الجراح الهندي ساسروتا بعمليات ترميم الأنف. يشير البروفيسور إدمون مسعود إلى ان هذا الاختصاص دخل لبنان في الستينيات وتم تأسيس الجمعية اللبنانية لجراحة التجميل في العام 1966 التي تابعت أعمالها العلمية رغم سنوات الحرب في لبنان. شهدت تلك الجراحة، عالميا، نجاحا مذهلا إذ بلغ عدد العمليات في الولايات المتحدة على سبيل المثال 16 مليون في العام 2014 غير أن مسعود يلفت إلى أهمية احترام الجمال الطبيعي، من دون ان تكون جميع النساء إلهة «فينوس»، أو الرجال إله أبولو، من دون أن يلحق الأفراد بالإعلانات الكاذبة.
كان الأطباء في الماضي، وفق رئيسة الجمعية البروفيسورة ماري كلير انطكلي، اشد قربا من المريض، مقارنة بالحاضر الذي تحكمه السرعة، وإجراء الفحوصات والصور الشعاعية. لذا لا يجب على الأطباء، في ظل التطور التكنولوجي والمعدات، نسيان المريض كشخص يحتاج إلى الإصغاء، والحوار، والشرح، والمعالجة والشفاء والوقت لتفسير المرض وآليات العلاج ما يساهم بتخفيف آلام المرضى.
Assafir: تاريخ التخصصات الطبية في لبنان: حين كان الطبيب صديقاً للمريض
الثلاثاء, نوفمبر 17, 2015