طرح اليوم قضية إنسانية هامة باتت تلقى مؤخراً صدى إيجابياً، ألا وهي قضية وهب وزرع الأعضاء. لكن مع ذلك يبقى لدى البعض هواجس وتساؤلات تطرح سؤالاً أساسياً: ما هو السبب الرئيسي من وراء «وهب وزرع الأعضاء»؟ وما مدى قانونيتها؟
الإجابة على هذا السؤال بسيطة جداً وتكمن في شفاء المرضى عن طريق زرع عضو سليم في جسد المريض، باستبداله بالعضو التالف. لذلك، يعتبر وهب وزرع الأعضاء معجزة حقيقية بكل معنى الكلمة لمساهمته في رسم بداية جديدة لمرضى فقدوا كل أمل بالحياة.
لكن كيف تتم هذه العملية؟
هذه العملية تتم من خلال إقدام المتبرعين الأحياء ذوي الصلة بالتبرّع بأعضائهم إلى أفراد العائلة أو الأصدقاء المرتبطين بهم بعلاقات مودة. وتتضاءل مخاطر الجراحة أمام المكاسب النفسية المقترنة بعدم فقدان عزيز لديهم، أو عدم رؤية الأحباء وهم يعانون من التداعيات القاسية للإنتظار على اللائحة.
وهنالك من يقومون بالتبرّع بشكل خيري، أي التبرّع لشخص لا يعرفه المتبرع حق المعرفة. ويفضّل بعض الأشخاص القيام بذلك حبًا للتبرّع في حد ذاته من دون أي غرض آخر، كما يفضّل البعض التبرّع بأعضائهم لأي شخص في قائمة المرضى، بينما يختار البعض الآخر طريقة ما لاختيار المتلقي بناءً على معايير تشكْل أهمية بالنسبة لهم.
معجزة حقيقية وبداية جديدة لمرضى فَقدوا كل أمل بالحياة
الآراء الدينية :لا الإسلام ولا المسيحية تمانع وهب شخص حيّ لأعضائه
د. أنطوان أسطفان:يعتمد على حس التضامن وتجاوز الإختلاف والمصالح الخاصة
د. جوزف الحلو: أصبح لدينا أطباء كثر مشهود لهم بالخبرة والمعرفة وامتلاك فنون الزرع
ماذا عن الـ D.N.A؟
لمعرفة ما إذا كان هناك من متغيّرات لواقع الحمض النووي للشخص الذي سيتم زرع العضو في جسده، أجرت «اللواء» اتصالا بالأخصائية في علم الطب الجيني الدكتورة شانتال فرا التي أوضحت «أنه لدى الحاجة لمعرفة الحمض النووي لشخص تم زرع عضو معين له بالإمكان القيام بإجراء فحص طبي كأن تؤخذ عيّنة من النخاع الشوكي مثلا الذي تم استقباله لتبيان نسبة الحمض النووي بالنسبة للمريض أي أن هذا الحمض النووي يبقى هو نفسه مع ملاحظة بعض الإختلاف نتيجة العضو الذي تم زرعه.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أنه يجب أن يتم إجراء تحاليل التطابق النسيجي بصورة جيدة، كي لا يتم رفض الجسم للعضو لاحقًا، أو إجراء الجراحات في أماكن لا تشتمل على المعايير الطبية العالمية، أو إصابة المتبرع بأمراض قد تخفى على المريض، وبالتالي، ينقل المرض إلى المريض، وبذلك تسوء حالته بدلاً من أن يشفى، وبالتالي يكون لدى الجسم استجابة مناعية مضادة للعضو المزروع، مما يؤدي إلى فشل عملية زراعته في الجسم، ومن ثم ضرورة إزالة العضو المزروع من جسد المتلقي على الفور.
لكن إذا تم تنظيم وهب الأعضاء البشرية بشكل مناسب وفعّال فستتحقق مصلحةً مشتركةً للطرفين البالغين بالتراضي».
حملة «وهب وزرع الأعضاء»
انطلاقاً من أهمية هذه القضية، أطلقت وزارة الصحة في لبنان مؤخراً الحملة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء برعاية وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، وذلك في قاعة المحاضرات في الجامعة اللبنانية– المتحف.
الحملة جاءت على مرحلتين:
- الحملة الأولى ترتكز على شخصيات عامة ومشاهير يؤثرون في المجتمع بهدف توعية الناس على أهمية هذا العمل الإنساني والبطولي الذي ينقذ حياة كثيرين.
- المرحلة الثانية ترتكز على شهادات حيّة من أشخاص تلقوا فعلا أعضاء تبرّع بها آخرون.
مواكبة منها لأهمية إطلاق حملة «وهب وزرع الأعضاء» أجرت «اللواء» لقاءات سجلت خلالها آراء متعددة.
آراء دينية؟
كما هو معلوم فإن لا الإسلام ولا المسيحية تمانع عملية وهب شخص حيّ لأعضائه بحرّية ووعي ليتّم نقلها طبيّاً الى شخص آخر، على أن لا يشكّل الأمر أي خطر على حياة الواهب أو صحّته، أو نفسيّته أو قدرته على العمل، وعلى أن يكون هناك أمل أكيد بأن حياة المستفيد من الهبة سوف تتحسّن صحتّه، وستطول حياته، وأن يكون نقل الأعضاء هو الإمكانية الوحيدة لإنقاذ حياة المريض.
{ ممثل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ بلال الملا أيّد وهب الأعضاء، يقول:» أن العطاء من أجمل متع الحياة، كما أن كل المجامع الفقهية في العالم العربي والإسلامي أجمعت على تأييد وهب الأعضاء إنما بشروط دقيقة تحمي حرمة الإنسان، على أن يتم الأخذ بالإعتبار ضوابط شرعية حتى لا يتحوّل الإنسان إلى سلعة للبيع وتتم الإستهانة بحرمة هذا المخلوق الذي كرّمه الله».
{ بدوره ممثل البطريرك الماروني الأب إدغار هيبي أبدى خشيته من التسويق لثقافة وهب الأعضاء في إطار علماني يتقارب أحيانا إلى حد التناحر مع الدين، يقول: «إن وهب الأعضاء يتطلب مسؤولية أخلاقية ووجدانية وروحية ووطنية، لذلك فإن كل الديانات التوحيدية تعتمد مبدأ التضامن بكل أشكاله، وبالتالي فإن عملية وهب الأعضاء تدخل في إطار التضامن العضوي، وهو مفهوم متجذّر في كل المقاربات الدينية، بحيث يسكب كل إنسان في داخل الصحن البشري ما أوتي له من مواهب».
اسطفان
{ أما فيما يخص برنامج «الحملة» فقد أوضح نائب رئيس اللجنة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء الدكتور أنطوان اسطفان الى أن البرنامج اللبناني استند إلى البرنامج الإسباني الأكثر نجاحا عالميا، وهو يعتمد على شبكة منسقين في المستشفيات اللبنانية كافة كي تكون حلقة وصل بين المستشفيات وبين «اللجنة الوطنية» من أجل متابعة كل حالات الوفيات والوهب بفعالية وبمنهجية موحّدة، إضافة إلى تثقيف متواصل وتدريب احترافي في هذا المجال لكل العاملين في القطاع الصحي.
يقول: «إن هذا البرنامج العلمي والتنسيقي هو الأول على المستوى الوطني في لبنان، في قضية حساسة أخذت سنوات عديدة لتتكرّس وتصبح في صلب المجتمع بكل أطيافه، انطلاقا من ذلك فإن «اللجنة الوطنية» تعمل بمساعدة من الدولة الفرنسية على استحداث برنامج إلكتروني لتسهيل عمل المنسقين والمستشفيات في برمجة موحّدة تقنيا وبمستوى عالٍ، كما لمساعدة اللجنة الوطنية على استحداث أول سجل وطني للوهب والزرع في لبنان.
وهكذا نلحظ أن مستقبل هذا البرنامج الوطني يعتمد على جهود الجميع، إذ أن «اللجنة الوطنية» بادرت وأسست وتعمل كل يوم كي تنجح في لبنان قضية وهب الأعضاء لخدمة كل إنسان، ولا سيما أن وهب الأعضاء يعتمد على حس التضامن وتجاوز الإختلاف المذهبي والحزبي والمصالح الخاصة وعلى التعامل بمسؤولية مع هذه القضية الإنسانية التي وضعت من أجل خدمة الجميع».
ماذا تقول وزارة الصحة؟
{ الدكتور جوزف الحلو تحدث باسم الوزير أبو فاعور فأكد أن قضية زرع الأعضاء لم تعد ومنذ سنوات مشكلة في لبنان، يقول:» في بلدنا تتوفر الإمكانات الفنية أكانت متعلقة بالجسم الطبي أو فريق المساعدين، وقد أصبح لدينا أطباء كثر مشهود لهم بالخبرة والمعرفة وامتلاك فنون الزرع، أم متعلقة بالمراكز الإستشفائية المتخصصة والتي تمتلك كل الشروط الواجب توفرها للقيام بعمليات نقل الأعضاء وتخزينها ومن ثم زرعها. كما لدينا لجنة وطنية نشطة تعمل على تعزيز ثقافة زرع الأعضاء بين المواطنين.
كذلك، فإن الوزارة تقف مع كل تحرّك يهدف إلى نشر ثقافة زرع الأعضاء ويسهم في تطوير عمليات وهب الأعضاء وبناء البنوك المتخصصة وحماية المواطنين من جعل وهب الأعضاء تجارة سوداء مخالفة للقوانين المعتمدة.
طبعا، نأمل على دولتنا أن توفر كل الدعم المادي والمعنوي لكل من يتعاطى مع وهب الأعضاء ولا سيما «اللجنة الوطنية»، وهنا لا بد من أن ألفت الى أن وزارة الصحة تؤيّد جعل الشروط المطلوبة لزرع الأعضاء جزءا من عمليات اعتماد المستشفيات وتصنيفها.
كما أن وهب الأعضاء يتطلب تضافر كل الجهود من قطاعات عامة وخاصة وأهلية وجمعيات اجتماعية وفنية ودينية، ولا سيما أنها مقياس حقيقي لمدى تطوّر المجتمع ولنوعية النظرة للإنسان وللحياة واستمرارها ونوعيتها».
ماذا عن الرأي القانوني؟
ويبقى السؤال الأبرز، كيف ينظر القانون اللبناني لقضية وهب وزرع الأعضاء، لمعرفة الإجابة التقت «اللواء» المحامي ماجد رمال الذي تحدث بإسهاب عن هذا الموضوع.
حول قضية وهب وزرع الأعضاء، يقول: «لم يكن وهب الأعضاء البشرية و/أو التبرّع بها، من أجل زرعها في جسد إنسان آخر، ظاهرة مقبولة في مجتمعاتنا، لا سيما منها المجتمع اللبناني، إلا أنه وبعد تفشّي ظاهرة بيع الأعضاء نتيجة الحاجة والعوز والفقر المدقع، مترافقة مع التطوّر والتقدّم الطبي في العالم، كان لا بد للسلطة التشريعية في لبنان من فرض عقوبات رادعة لوضع حد لظاهرة الإتجار بالأعضاء البشرية، لما لذلك من مساوئ خطيرة على المجتمع بأسره، وبالمقابل، وضعت أسساً وقواعد قانونية تواكب بها التطوّر والتقدّم الطبي عالمياً».
وعن أبرز هذه الأسس والقواعد القانونية، يقول المحامي رمال: «هناك المرسوم الإشتراعي رقم 109 تاريخ 16/9/1983 الذي نص على معاقبة المتاجرين بالأعضاء البشرية، وأجاز استئصال الأنسجة والأعضاء البشرية لحاجات طبية وعلمية، وللراغبين بالتبرع بأعضائهم البشرية و/أو وهبها للغير، دون مقابل، ثم، صدر المرسوم التطبيقي رقم 1442/84، الذي نظم وضع الأسس والمعايير الفنية والتقنية من أجل تطبيق ذلك.
وفي هذا المجال لا بد من أن نشير إلى أن المرسوم الإشتراعي رقم 109/83 ميّز بين حالتين ووضع آلية لكل منها، فيها شيء من التعقيد والشدّة في بعض جوانبها:
الحالة الأولى بين الأحياء: إذ سمح بموجبها بوهب الأنسجة والأعضاء البشرية من جسم أحد الأحياء لمعالجة مرض أو جروح شخص آخر، ضمن الشروط التالية:
أولاً - أن يكون الواهب قد أتم الـ 18 من عمره.
ثانياً - أن يعاين من قبل الطبيب المكلف بإجراء العملية والذي ينبّهه إلى نتائج العملية وأخطارها ومحاذيرها ويتأكد من فهمه لكل ذلك.
ثالثاً - أن يوافق الواهب خطياً وبملء حريته على إجراء العملية.
رابعاً - أن يكون إعطاء الأنسجة أو الأعضاء على سبيل الهبة المجانية غير المشروطة.
الحالة الثانية بين ميت وحي: وقد أجاز لأي شخص أن يوصي بوهب واستئصال بعض أعضاء جسده بعد موته، لزرعها في جسد حيً آخر، ضمن الشروط التالية:
أولاً - أن يكون الشخص المتوفي قد أوصى خطياً قبل موته بوهب بعض أعضاء جسده لمن هو بحاجة طبية إليها.
ثانياً - أن توافق عائلة المتوفي على ذلك، ويتم اتباع الترتيب التالي بالموافقة (الزوج أو الزوجة، وإلا فالولد الأكبر سناً، وإلا فالأصغر، وإلا فالأب، وإلا الأم إلخ...).
هذا وقد نصت المادة السابعة من المرسوم الإشتراعي رقم 109/83 على معاقبة كل من يأخذ الأنسجة والأعضاء البشرية بشكل مخالف للقوانين، بعقوبة الحبس من شهر إلى سنة، بالإضافة إلى غرامة مالية.
كما تضمن المرسوم التطبيقي 1442/84 آلية فرض اعتمادها على المستشفيات والأطباء والمولجين بنقل الأعضاء والأنسجة وزرعها، ومنها أسس ثبوت موت الإنسان المتبرع، وآلية نقل وزرع الأنسجة الموصى بها أو الأعضاء المتبرع بها، والمواصفات الفنية والتقنية التي يجب أن يتمتع بها المستشفى أو المركز الطبي الذي تجري فيه عملية الزرع. كذلك، فإن قانون العقوبات اللبناني الصادر بتاريخ 1/3/1943 سبق له في مادته رقم 478 أن قضى بتجريم كل من يقدّم لغرض علمي أو تعليمي دون موافقة من له الحق على أخذ جثة أو تشريحها أو استعمالها بأي وجه آخر، وبتعديل قانوني متقدم صدر بالقانون رقم 164 تاريخ 24/8/2011 قضى في مادته رقم 586 بتجريم الإتجار بالأشخاص أو استغلالهم بأعمال نوع الأعضاء أو الأنسجة من جسم المجنى عليه».
«الصبر مفتاح الفرج»
وختاماً، التقت «اللواء» عدداً من المواطنين لاستطلاع آرائهم من قضية وهب وزرع الأعضاء حيث أجمعوا بغالبيتهم على الموافقة على هذه العملية طالما أنها لا تشكّل أي ضرر على صحة المريض، ولا سيما أنها تنقذ حياة الكثيرين الذين فقدوا كل أمل لهم بالعيش الهانئ، بعيدا عن الأدوية والعلاجات الطبية، خصوصا وأن فئة كبيرة من هؤلاء ما يزالون في عمر الورد والمستقبل أمامهم، أي أننا من خلال عملية وهب وزرع الأعضاء لا ننقذ فقط هؤلاء المرضى بل ننقذ أيضا عائلات بأكملها ستتمكن في النهاية من أن تعيش حياة طبيعية بعد كل ما عانته من مآسي وأحزان، ليكون «الصبر مفتاح الفرج».